يمكنني أن أمضي صباحًا بأكمله أتوه في البحث عن ما أُسميه بـشفرة المصدر، ماهي شفرة المصدر ولماذا أعطيتها هذا المسمى؟ لا أعلم لكن كل ما أتذكره هوّ أن سعادتي تكمن في الطريق الذي يقودني لإمتلاكها، والرحلة هيّ كل ما أُريده في أعماقي..
هذه الرحلة ستكون مغامرتي.
هناك سعادة مجازفة أسعى إليها دائمًا ولا أظن أنني أسعى لشيء آخر عداها في حياتي هذه أو حتى في أي خط زمنيّ آخر، ربما في حياة أُخرى لست أغرق في تلك الرغبة التواقة للضياع في هذا البحث، لكن من المؤكد أنها مدفونة في لُب ماهيتي، وهي تحفر طريقها للأعلى..
فتاة متعطشة للمعرفة، فتاة تجد سعادتها في قراءة المكتنف بالأسرار من الشعر والفلسفة المتخبئة في النثر والرواية، وفي شاشات التلفاز وأفلام السينما.. وذلك النوع من الهوّس، هو شيء لا تتخلى عنه، وبدونه، حياتها ستكون فلمًا صامت.
عندما ألتقط كتابًا بيدي في إحدى مكتبات جرير أو أسهب في التفكير بينما ألقي نظرة على غلاف أحد الأفلام أو المسلسلات على صفحة IMDb، أشعر وكأنني قارئة طالع، تجتاحها الكثير من الأفكار والأحاسيس المرتبطة والقادمة من مخيلة مؤلفٍ ما. قادمة من عالم شخصٍ حاول أن يخبئها بين تلك الصفحات و النصوص السينمائية.. و ترجوا مني أن أبعث فيها الحياة.
لا أستطيع التوقف عن القراءة مهما حاولت، أقرأ العديد من الكتب في وقتٍ واحد لكنني أجد صعوبة في إنهائها.. لديّ عقدة تعلق في الكتب لذلك أُماطل في قراءتها لأنني لا أريد أن أصل إلى النهاية.
لا أُريد أن تتحول مكتبتي إلى تابوت ترقد فيه أرواح من أُحِب. أُريد أن أتوه فيها إلى الأبد وأنا أؤمن بالأبدية..
الوقت يساندني حتى وإن لم يكن له وجود فعلًا.
أفقد سيطرتي على نفسي عندما ألمح أحد تلك الشفرات متخبئة في مكان ما.. وتبرز على سطح ذلك الكتاب أو غلاف ذلك الفلم أو في وجه شخصٍ ما حتى.. أحيانًا يحالفني الحظ في هذا البحث وألمحها بالصدفة، لكن في الأحيان الأخرى ألوم نفسي على مايمكن أن أكون قد غفلت عنه. لذلك لا أتوقف عن البحث أبدًا.
أؤمن أن الكثير من أجزائي متبعثرة حول هذا العالم وأنا أحاول أن أجدها عبر قراءة كل شيء وشخص ألتقي به في طريقي، أو على أقل شيء، ألقي نظرة خاطفة عليهم. لأن هذه الأشياء -بالنسبة لي- قطع من روحي تحمل معها نوافذ لحقبات زمنية مختلفة وأبعاد أُخرى، لوهلة أشعر كما أنني أسافر عبر الزمان والمكان وأصنع من تلك الفوضى كتب نيو يورك الأكثر مبيعًا وأفلام حائزة على الأوسكار.
حينها فقط.. أشعر وكما أنني بعثت في روحي مئاتً من الحيوات.
لا أظل شخصًا واحدًأ أو روحًا واحدة.. بل أنا العديد.
كم أرغب في أن أصنع شفرة مصدر خاصة بي. في الحقيقة أشعر أنني قد خلقتها فعلًا. وكم أرغب في أن يحظى العالم برؤيتها.
أشعر بأنني أمتلك قوة خارقة عندما أستطيع كتابة ما يدور في مخيلتي هنا، لأنني أصنع ما أُحبه.
عُدّت للكتابة مؤخراً بعد انقطاع لم يدم طويلًا، واشتعلت نار في روحي مع كل كلِمة تتدفق مني..
روحي ترغب في الطيران ورغبتها في السفر حول العالم وعبر هذه العوالم أصبحت تزداد.
تلك الشهور التي كانت روحي محتجزة فيها من قِبل الاكتئاب كانت فظيعة، أو بالأحرى من قِبل الجانب السيء من العالم، الجانب الذي أعماني عن رؤية جمال الأشياء حولي.. أنا ممتنة للكون لتركي أفشل في المغادرة منه.
ذلك الأسى مازال هُنا.. ولست سعيدة تمامًا حتى الآن، لكن أصبح لدي سبب ورغبة وشفرات عديدة تدفعني للحياة. لذلك سأعيش ليوم آخر.. إلى أن تنفذ الأسباب، لكنني أعلم أن الشفرات ستظل هنا للأبد.
الآن بعد أن وجدت طريقي للعودة إلى عالمي الخاص.. عالمي الساحر، روحي ترفض أن تترك ذلك السواد يسرقها مرة أُخرى.
أصبحت شغوفة لأجل الحياة وأُريد رؤية الكثير منها. وأرغب في توثيق رحلتي هنا. في ملجأي. بين كلماتي وموسيقاي. سأرى العالم وأكتب عنه، رؤية العالم بهذه الطريقة الأخاذة شيء يجب ألّا يُنسى.
كالعادة فصل الشتاء يجلب معه كل ما أُحب.
راحة وسكون عظيمان.. تغمرني سعادة خاصة بـشهر ديسمبر، وذاتي لا تمانع بالغرق فيها. إرادتي في البحث عن الدفء داخل معطفي القرمزي وتحت بطانيتي المحبوكة من الصوف. الأمطار التي تجرني معها إلى ذكريات طفولتي في كل مرة هطلت فيها الأمطار. وأقواس القزح الذي ترد إليَّ إيماني في كل الأشياء الآسرة في الحياة.
أحببت عجلتي في اللجوء إلى إحدى شفرات المصدر التي عثرت عليها والغرق فيها مرة أُخرى لكي أُعطي الرعد والبرق ما يستحقان من ترحال. لأربط كل لحظات الدهشة التي أجدها في القصة المختارة بأجمل فصول السنة.
أُكمل الحادي وعشرون ربيعًا في هذا الشتاء، بالحادي عشر من ديسمبر.. سيتم إعادة بعثي لهذه الحياة كالعنقاء. كلما خَبْت ناري، أنهض منها مرة أخرى. سأبقى أنا، لكن سيتغذى تعطشي للحياة الذي كنت أملكه مُنذ أن كنت طفلة. وسأصبح كما أنّي قد وُلِدت من جديد.
مهما حصل، سيكون لدي الكثير من الفن الذي لم أكتشفه بعد في هذا العالم. وهذا ما يدفع سفينتي للأبحار. ربما ستكون هذه هي شفرة المصدر الخاصة بروحي البشرية.
وكما وصفت لانا دِل ري في أُغنيتها التي تحكي فيها عن تنقلها من علاقة إلى أُخرى لكي يلهمها هذا الحال إلى الكتابة. ذلك ما يلهمني، الحياة للكتابة والكتابة للحياة.
أشُك في وجود العبثية في قاموسي.. تغلبت عليها يقظة الحياة المفعمة بالأسرار ووجود الإلهام في كل محطة من الطريق..
Comments